٦٣٪ من موظفي القطاع العام يرون أن التدريب لا يغير الأداء (تقرير جالوب ٢٠٢٠)
وهذا قريب للواقع بسبب الممارسات السائدة والتدريب من أجل التدريب أو السياحة أو الترفية وتغيير الجو، والسؤال المهم ما هو التدريب؟ هل إجابة هذا السؤل تغيب عن القائمين على التدريب في المؤسسات، إذا كان نعم فنقول الإنسان عدو ما يجهل، ويتطلب تدخل القيادات للتوجيه، وإذا كانت الإجابة لا فهذه بحد ذاتها مصيبة تتطلب تدخلاً للتغيير.
٢٪ الى ٣٪ فقط من التدريب التقليدي يؤدي إلى تطبيق فعلي في بيئة العمل ما لم يتم ربطه بالأداء (Harvard Business Review)
دعونا نقيم المشهد التدريبي ومقارنته بالأداء، هل فعلاً حضورنا للدورات التدريبية والمعارف والمهارات المكتسبة استطعنا عكسها على الأداء الوظيفي في بيئة العمل؟ أو ظلت معرفة شخصية فقط!
في ظل التحديات المتسارعة التي تواجه المؤسسات، لم يعد كافياً الاكتفاء بالتدريب بوصفه نشاطاً روتينياً أو بنداً سنوياً، هذا المقال يسلط الضوء على الفارق الجوهري بين التدريب التقليدي والتدريب الاستثماري، وتستعرض حقائق وإحصائيات عالمية وتجارب متقدمة، مع تقديم توصيات عملية للتحول نحو تدريب يُسهم بفعالية في تحسين الأداء المؤسسي.
إيقاف التدريب للتدريب
التدريب التقليدي أقصد به التدريب من أجل التدريب، ومن وجهة نظري الأفضل أن نقول ” تدريب القائمين على التدريب” لأن فاقد الشي لا يعطيه، التدريب ليس تنظيم إداري للفعاليات التدريبية من تواصل وتنسيق وحجوزات، وإنما تخصص علمي يتطلب فكراً تخطيطياً، وتحليلاً استراتيجياً، وتقييماً شاملاً، وتقويماً مستداماً، لذلك لابد أن نستثمر في التدريب ومن التدريب، نستثمر في رفع كفاءة القائمين على التدريب ونستثمر في تدريب الموظفين، وهنا أركز على التدريب الاستثماري الذي لا يشكل عبئاً وهدراً مالياً، وإنما استثماراً يحقق عائداً مالياً (ROI).
دعونا نراجع المشهد الحالي حيث وصل بنا الحال كنتيجة للتدريب من أجل التدريب إلى تقليل وتقليص تقسيمات التدريب في المؤسسات، وفي الأزمات المالية أول ضحية البند المالي التدريب، وكل ذلك يرجع إلى أن بعض القائمين على التدريب يركزون على الكم دون النظر إلى الأثر، بسبب تحليل احتياج غير حقيقي، ويُنفّذ لأغراض شكلية أو إدارية مثل استكمال عدد ساعات تدريب أو استجابة لموازنات التدريب السنوية، ومن سماته التدريب للتدريب:
- اختيار عشوائي للبرامج والمتدربين.
- غياب مؤشرات قياس العائد من التدريب.
- ضعف في متابعة تطبيق المعرفة المكتسبة.
- نتائج شكلية دون أثر وظيفي واضح.
تصحيح المسار
تصحيح المسار يتطلب قراراً نحو تغيير منهجيات العمل والتركيز على التدريب الاستثماري الذي يتم تصميمه وتنفيذه بناءً على فجوات الأداء وتحليل الكفايات، ويرتبط مباشرة بمؤشرات الأداء الفردي والمؤسسي، ويقاس العائد من الاستثمار في التدريب لتعزيز الأداء وتحديد الفجوات ومعالجتها بشكل مباشر لضمان جودة وكفاءة الأداء الفردي والمؤسسي، وأبرز خصائص التدريب الاستثماري:
- تحليل فجوة الأداء كأساس لاختيار البرامج.
- تحديد مؤشرات نجاح قبل التدريب وبعده.
- إشراك المدراء في تقييم أثر التدريب.
- ربط التدريب بخطط التطوير والتقييم السنوي.
تجارب عالمية ناجحة
سنغافورة: التدريب مبني على فجوات الكفاية، ودمج التدريب مع التقييم المستمر، وإنشاء وحدة مختصة بقياس أثر التدريب على الأداء.
المملكة المتحدة: تم تخصيص منصة مركزية تربط بين التدريب وخطط الأداء، واستخدام نموذج Kirkpatrick لقياس الأثر.
ما نحتاجه فعلاً هو:
- التدريب التخصصي الموجه، والبداية برفع كفاءة القائمين على التدريب وتمكينهم ثم اتباع منهجية قائمة على التدريب الاستثماري.
- تحليل احتياج تدريبي واقعي مبني على فجوات الأداء لا على الرغبات الفردية.
- ربط التدريب بتقويم الأداء الفردي والمؤسسي.
- تطوير نظام إلكتروني لتتبع أثر التدريب على مستويات متعددة.
- تدريب المسؤولين المباشرين على متابعة تطبيق التدريب في بيئة العمل.
- التحول من برامج قصيرة الأجل إلى مسارات تطوير متكاملة.
إن التحول من التدريب التقليدي إلى الاستثماري هو خطوة حتمية نحو تطوير الأداء المؤسسي، وتحقيق الكفاءة في الإنفاق، وضمان توجيه الجهود نحو أولويات حقيقية تعود بالنفع على الموظف والمؤسسة والمجتمع ككل.

